29‏/6‏/2009

فى رحلة العوده

فى رحلته تلك أصر أن يستبقى تفاصيله المفرحة
ويثبت تصاويرها فى الذاكرة
فقرر أن
يعيد مشاهده الأولى
واشترى تذكرتين
وهو الوحيد
وصعد الى ذات القطار الذى ذبلت ألوانه
والمرابض هناك
عند بدء الرصيف القديم
والليل ينتصف
منصتا لدقات ثقيلة حيث الساعة العتيقة تخفى عمرها بهالات التراب
وكما اعتاد
بدأ يمارس أشيائه المألوفة فاشترى جريدة ثم طواها
وسار بمحاذاة الرصيف
حيث تمتد العربات كدودة طويلة وفى العربة الثانية حيث صعد مرارا
أمسك بفتحة الباب
قافزا فدخل
المقاعد الخشبية ذاتها تتجاور
وفى المنتصف ضوء لمبة يئن يفسح الطريق لإقدامه المتثاقلة
مسح زجاج نظارته
وعاين ذات الوجوه
التى اعتادها
والى جوار نافذة تطل على فضاء المحطة
جلس محدثا قليلا من صخب وهو يفرد صحيفته المطوية
ويحاول أن يفك
شفرات العبارات الملتصقة
بضوء قليل
واشترى زجاجة كولا
من المرأة التى تظهر أسنانها المتساقطة
وهى تردد اعلانها
فى وجوه الراكبين المتعبة
صوت القطار يصاعد إذ تلامس عجلاته تلك القضبان الصدئة التى تتمدد فى استرخاء وتعزف الريح أغانيها من بوابة نصف مغلقة
ونوافذ مشرعة على حقول تنام
وحكايات تتوالد من مقعد فى الخلف
ينظر للبيوت التى تستطيل
على امتداد الطريق
حيث تشحب أضواءها الخارجية
وبكاء صامت ينسل من أعمدة النور بينما المحصل يدق بقلمه
ويعلم أوراق السفر
متأبطا حافظته
فى صمت يليق بهيبته
يتململ فى الطرف شاب
ويبحث داخل جلبابه
ثم يخرج تذكرة مخبأة باهتمام
يقل الصدى
ويستكين القطار
فى محطة تالية
يكاد رصيفها يلاصق شباكى
وصمت يحل
عيون ترقب العائدين الى منازلهم
حاملين حكايات نهارهم
وحقائب بلاستيكية ممزقة
وأفكار عن دفء امرأة حلت شعرها
وربما بعضا مما يبهج صغارهم
يبحث الصاعدون عن موضع للجلوس يرد التحية لعابر يمر
ثم يواصل تعداد
أعمدة التلغراف
إذ تنتصب عند مطلع الحقول
ويبادل جاره ضحكه
منشرحا ثم يشكر له دعوته أن يشاركه رغيف الخبز
الذى انتفخ بما تيسر
يتنهد إذ يحتضن مسرات مضت ويصافح
هواءا مقتحما
يطيح بجريدته
وهو يسير مغادرا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق